فصل: المسألة الثامنة: (الكلمة قد يكون معناها مستقلًا بالمعلومية وقد لا يكون):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المسألة الثالثة: [هل الاسم لا يصح الإخبار عنه]؟

طعن قوم في قولهم: (الاسم ما يصح الإخبار عنه) بأن قالوا: لفظة أين وكيف وإذا أسماء مع أنه لا يصح الأخبار عنها، وأجاب عبد القاهر النحوي عنه بأنا إذا قلنا: الاسم ما جاز الإخبار عنه أردنا به ما جاز الأخبار عن معناه، ويصح الأخبار عن معنى إذا لأنك إذا قلت: آتيك إذا طلعت الشمس، كان المعنى آتيك وقت طلوع الشمس، والوقت يصح الأخبار عنه، بدليل أنك تقول: طاب الوقت، وأقول هذا العذر ضعيف، لأن إذا ليس معناه الوقت فقط، بل معناه الوقت حال ما تجعله ظرفًا لشيء آخر، والوقت حال ما جعل ظرفًا لحادث آخر فإنه لا يمكن الأخبار عنه ألبتة، فإن قالوا لما كان أحد أجزاء ماهيته اسمًا وجب كونه اسمًا، فنقول: هذا باطل، لأنه إن كفى هذا القدر في كونه اسمًا وجب أن يكون الفعل اسمًا، لأن الفعل أحد أجزاء ماهيته المصدر، وهو اسم، ولما كان هذا باطلًا فكذا ما قالوه.

.المسألة الرابعة: [النوع الثاني من تقسيم الكلمة]:

في تقرير النوع الثاني من تقسيم الكلمة أن تقول: الكلمة إما أن يكون معناها مستقلًا بالمعلومية أو لا يكون، والثاني: هو الحرف، أما الأول: فإما أن يدل ذلك اللفظ على الزمان المعين لمعناه، وهو الفعل، أو لا يدل وهو الاسم، وفي هذا القسم سؤالات نذكرها في حد الاسم والفعل.

.المسألة الخامسة: [تعريف الاسم]:

في تعريف الاسم: الناس ذكروا فيه وجوهًا، التعريف الأول: أن الاسم هو الذي يصح الأخبار عن معناه، واعلم أن صحة الأخبار عن ماهية الشيء حكم يحصل له بعد تمام ماهيته فيكون هذا التعريف من باب الرسوم لا من باب الحدود، والأشكال عليه من وجهين: الأول: أن الفعل والحرف يصح الأخبار عنهما، والثاني: أن إذا وكيف وأين لا يصح الأخبار عنها وقد سبق تقرير هذين السؤالين.
التعريف الثاني: أن الاسم هو الذي يصح أن يأتي فاعلًا أو مفعولًا أو مضافًا، واعلم أن حاصله يرجع إلى أن الاسم هو الذي يصح الأخبار عنه.
والتعريف الثالث: أن الاسم كلمة تستحق الإعراب في أول الوضع، وهذا أيضًا رسم، لأن صحة الإعراب حالة طارئة على الاسم بعد تمام الماهية، وقولنا في أول الوضع احتراز عن شيئين: أحدهما: المبنيات، فإنها لا تقبل الإعراب بسبب مناسبة بينها وبين الحروف، ولولا هذه المناسبة لقبلت الإعراب، والثاني: أن المضارع معرب لكن لا لذاته بل بسبب كونه مشابهًا للاسم، وهذا التعريف أيضًا ضعيف.
التعريف الرابع: قال الزمخشري في المفصل: الاسم ما دل على معنى في نفسه دلالة مجردة عن الاقتران.
واعلم أن هذا التعريف مختل من وجوه: الأول: أنه قال في تعريف الكلمة أنها اللفظ الدال على معنى مفرد بالوضع، ثم ذكر فيما كتب من حواشي المفصل أنه إنما وجب ذكر اللفظ لأنا لو قلنا: الكلمة هي الدالة على المعنى لانتقض بالعقد والخط والإشارة كذلك، مع أنها ليست أسماء.
والثاني: أن الضمير في قوله: في نفسه إما أن يكون عائدًا إلى الدال، أو إلى المدلول، أو إلى شيء ثالث، فإن عاد إلى الدال صار التقدير الاسم ما دل على معنى حصل في الاسم، فيصير المعنى الاسم ما دل على معنى هو مدلوله، وهذا عبث، ثم مع ذلك فينتقض بالحرف والفعل، فإنه لفظ يدل على مدلوله، وإن عاد إلى المدلول صار التقدير الاسم ما دل على معنى حاصل في نفس ذلك المعنى، وذلك يقتضي كون الشيء حاصلًا في نفسه، وهو محال، فإن قالوا معنى كونه حاصلًا في نفسه أنه ليس حاصلًا في غيره، فنقول: فعلى هذا التفسير ينتقض الحد بأسماء الصفات والنسب، فإن تلك المسميات حاصلة في غيرها.
التعريف الخامس: أن يقال: الاسم كلمة دالة على معنى مستقل بالمعلومية من غير أن يدل على الزمان المعين الذي وقع فيه ذلك المعنى، وإنما ذكرنا الكلمة ليخرج الخط والعقد والإشارة فإن قالوا: لم لم يقولوا لفظة دالة على كذا وكذا؟ قلنا: لأنا جعلنا اللفظ جنسًا للكلمة، والكلمة جنس للاسم، والمذكور في الحد هو الجنس القريب لا البعيد، وأما شرط الاستقلال بالمعلومية فقيل: إنه باطل طردًا وعكسًا، أما الطرد فمن وجوه.
الأول: أن كل ما كان معلومًا فإنه لابد وأن يكون مستقلًا بالمعلومية لأن الشيء ما لم تتصور ماهيته امتنع أن يتصور مع غيره، وإذا كان تصوره في نفسه متقدمًا على تصوره مع غيره كان مستقلًا بالمعلومية، الثاني: أن مفهوم الحرف يستقل بأن يعلم كونه غير مستقل بالمعلومية، وذلك استقلال.
الثالث: أن النحويين اتفقوا على أن الباء تفيد الإلصاق، ومن تفيد التبعيض، فمعنى الإلصاق إن كان مستقلًا بالمعلومية وجب أن يكون المفهوم من الباء مستقلًا بالمعلومية فيصير الحرف اسمًا، وإن كان غير مستقل بالمعلومية كان المفهوم من الإلصاق غير مستقبل بالمعلومية، فيصير الاسم حرفًا، وأما العكس فهو أن قولنا: كم وكيف ومتى وإذا وما الاستفهامية والشرطية كلها أسامٍ مع أن مفهوماتها غير مستقلة، وكذلك الموصولات.
الثالث: أن قولنا: من غير دلالة على زمان ذلك المعنى يشكل بلفظ الزمان وبالغد وباليوم والاصطباح وبالاغتباق، والجواب عن السؤال الأول: أنا ندرك تفرقة بين قولنا الإلصاق وبين حرف الباء في قولنا: كتبت بالقلم فنريد بالاستقلال هذا القدر.
فأما لفظ الزمان واليوم والغد فجوابه أن مسمى هذه الألفاظ نفس الزمان، ولا دلالة منها على زمان آخر لمسماه.
وأما الاصطباح والاغتباق فجزؤه الزمان، والفعل هو الذي يدل على زمان خارج عن المسمى، والذي يدل على ما تقدم قولهم: اغتبق يغتبق، فأدخلوا الماضي والمستقبل على الاصطباح والاغتباق.

.المسألة السادسة: [علامات الاسم]:

علامات الاسم إما أن تكون لفظية أو معنوية، فاللفظية إما أن تحصل في أول الاسم، وهو حرف تعريف، أو حرف جر، أو في حشوه كياء التصغير، وحرف التكسير، أو في آخره كحرفي التثنية والجمع.
وأما المعنوية فهي كونه موصوفًا، وصفة، وفاعلًا، ومفعولًا، ومضافًا إليه، ومخبرًا عنه، ومستحقًا للإعراب بأصل الوضع.

.المسألة السابعة: [تعريفات الفعل]:

ذكروا للفعل تعريفات: التعريف الأول: قال سيبويه إنها أمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء، وينتقض بلفظ الفاعل والمفعول.
التعريف الثاني: أنه الذي أسند إلى شيء ولا يستند إليه شيء وينتقض بإذا وكيف، فإن هذه الأسماء يجب إسنادها إلى شيء آخر، ويمتنع استناد شيء آخر إليها.
التعريف الثالث: قال الزمخشري: الفعل ما دل على اقتران حدث بزمان، وهو ضعيف لوجهين: الأول: أنه يجب أن يقال: كلمة دالة على اقتران حدث بزمان وإنما يجب ذكر الكلمة لوجوه:
أحدها: أنا لو لم نقل بذلك لانتقض بقولنا اقتران حدث بزمان فإن مجموع هذه الألفاظ دال على اقتران حدث بزمان مع أن هذا المجموع ليس بفعل، أما إذا قيدناه بالكلمة اندفع هذا السؤال، لأن مجموع هذه الألفاظ ليس كلمة واحدة.
وثانيها: أنا لو لم نذكر ذلك لانتقض بالخط والعقد والإشارة، وثالثها: أن الكلمة لما كانت كالجنس القريب لهذه الثلاثة فالجنس القريب واجب الذكر في الحد.
الوجه الثاني ما نذكره بعد ذلك.
التعريف الرابع: الفعل كلمة دالة على ثبوت المصدر لشيء غير معين في زمان معين، وإنما قلنا كلمة لأنها هي الجنس القريب، وإنما قلنا دالة على ثبوت المصدر ولم نقل دالة على ثبوت شيء لأن المصدر قد يكون أمرًا ثابتًا كقولنا ضرب وقتل وقد يكون عدميًا مثل فني وعدم فإن مصدرهما الفناء والعدم، وإنما قلنا بشيء غير معين لأنا سنقيم الدليل على أن هذا المقدار معتبر، وإنما قلنا في زمان معين احترازًا عن الأسماء.
واعلم أن في هذه القيود مباحثات: القيد الأول: هو قولنا: يدل على ثبوت المصدر لشيء فيه إشكالات: الأول: أنا إذا قلنا خلق الله العالم فقولنا خلق إما أن يدل على ثبوت الخلق لله سبحانه وتعالى أو لا يدل، فإن لم يدل بطل ذلك القيد، وإن دل فذلك الخلق يجب أن يكون مغايرًا للمخلوق، وهو إن كان محدثًا افتقر إلى خلق آخر ولزم التسلسل، وإن كان قديمًا لزم قدم المخلوق.
والثاني: إنا إذا قلنا وجد الشيء فهل دل ذلك على حصول الوجود لشيء أو لم يدل؟ فإن لم يدل بطل هذا القيد، وإن دل لزم أن يكون الوجود حاصلًا لشيء غيره، وذلك الغير يجب أن يكون حاصلًا في نفسه لأن ما لا حصول له في نفسه امتنع حصول غيره له، فيلزم أن يكون حصول الوجود له مسبوقًا بحصول آخر إلى غير النهاية، وهو محال.
والثالث: إذا قلنا عدم الشيء وفني فهذا يقتضي حصول العدم وحصول الفناء لتلك الماهية، وذلك محال، لأن العدم والفناء نفي محض فكيف يعقل حصولهما لغيرهما والرابع: إن على تقدير أن يكون الوجود زائدًا على الماهية فإنه يصدق قولنا: إنه حصل الوجود لهذه الماهية فيلزم حصول وجود آخر لذلك الوجود إلى غير نهاية، وهو محال، وأما على تقدير أن يكون الوجود نفس الماهية فإن قولنا: حدث الشيء وحصل فإنه لا يقتضي حصول وجود لذلك الشيء، وإلا لزم أن يكون الوجود زائدًا على الماهية، ونحن الآن إنما نتكلم على تقدير أن الوجود نفس الماهية.
وأما القيد الثاني: وهو قولنا: في زمان معين ففيه سؤالات أحدها: أنا إذا قلنا: وجد الزمان أو قلنا: فني الزمان فهذا يقتضي حصول الزمان في زمان آخر، ولزم التسلسل، فإن قالوا: يكفي في صحة هذا الحد كون الزمان واقعًا في زمان آخر بحسب الوهم الكاذب، قلنا: الناس أجمعوا على أن قولنا حدث الزمان وحصل بعد أن كان معدومًا كلام حق ليس فيه باطل ولا كذب، ولو كان الأمر كما قلتم لزم كونه باطلًا وكذبًا، وثانيها: أنا إذا قلنا: كان العالم معدومًا في الأزل، فقولنا: كان فعل فلو أشعر ذلك بحصول الزمان لزم حصول الزمان في الأزل، وهو محال، فإن قالوا: ذلك الزمان مقدر لا محقق، قلنا التقدير الذهني إن طابق الخارج عاد السؤال، وإن لم يطابق كان كذبًا، ولزم فساد الحد، وثالثها: أنا إذا قلنا: كان الله موجودًا في الأزل، فهذا يقتضي كون الله زمانيًا، وهو محال، ورابعها: أنه ينتقض بالأفعال الناقصة، فإن كان الناقصة إما أن تدل على وقوع حدث في زمان أو لا تدل: فإن دلت كان تامًا لا ناقصًا، لأنه متى دل اللفظ على حصول حدث في زمان معين كان هذا كلامًا تامًا لا ناقصًا، وإن لم يدل وجب أن لا يكون فعلًا، وخامسها: أنه يبطل بأسماء الأفعال، فإنها تدل على ألفاظ دالة على الزمان المعين، والدال على الدال على الشيء دال على ذلك الشيء فهذه الأسماء دالة على الزمان المعين، وسادسها: أن اسم الفاعل يتناول إما الحال وإما الاستقبال ولا يتناول الماضي ألبتة، فهو دال على الزمان المعين، والجواب أما السؤالات الأربعة المذكورة على قولنا: الفعل يدل على ثبوت المصدر لشيء والثلاثة المذكورة على قولنا: الفعل يدل على الزمان فجوابها أن اللغوي يكفي في علمه تصور المفهوم، سواء كان حقًا أو باطلًا، وأما قوله: يشكل هذا الحد بالأفعال الناقصة قلنا: الذي أقول به وأذهب إليه أن لفظة كان تامة مطلقًا، إلا أن الاسم الذي يسند إليه لفظ كان قد يكون ماهية مفردة مستقلة بنفسها مثل قولنا: كان الشيء، بمعنى حدث وحصل، وقد تكون تلك الماهية عبارة عن موصوفية شيء لشيء آخر مثل قولنا: كان زيد منطلقًا، فإن معناه حدوث موصوفية زيد بالانطلاق فلفظ كان هاهنا معناه أيضًا الحدوث والوقوع، إلا أن هذه الماهية لما كانت من باب النسب، والنسبة يمتنع ذكرها إلا بعد ذكر المنتسبين، لا جرم وجب ذكرهما هاهنا، فكما أن قولنا: كان زيد، معناه أنه حصل ووجد، فكذا قولنا: كان زيد منطلقًا، معناه أنه حصلت موصوفية زيد بالانطلاق؛ وهذا بحث عميق عجيب دقيق غفل الأولون عنه، وقوله: خامسًا: يبطل ما ذكرتم بأسماء الأفعال قلنا المعتبر في كون اللفظ فعلًا دلالته على الزمان ابتداء لا بواسطة، وقوله: سادسًا: اسم الفاعل مختص بالحال والاستقبال قلنا: لا نسلم، بدليل أنهم قالوا: إذا كان بمعنى الماضي لم يعمل عمل الفعل، وإذا كان بمعنى الحال فإنه يعمل عمل الفعل.

.المسألة الثامنة: [الكلمة قد يكون معناها مستقلًا بالمعلومية وقد لا يكون]:

الكلمة إما أن يكون معناها مستقلًا بالمعلومية، أو لا يكون، وهذا الأخير هو الحرف، فامتياز الحرف عن الاسم والفعل بقيد عدمي، ثم نقول: والمستقل بالمعلومية إما أن يدل على الزمان المعين لذلك المسمى، أو لا يدل، والذي لا يدل هو الاسم، فامتاز الاسم عن الفعل بقيد عدمي، وأما الفعل فإن ماهيته متركبة من القيود الوجودية.